عبدالله المبطي.. نجاحاتٌ تنبجس من الصخر

img 43“إنْ تجتهدْ تنجحْ”، أدري، ولا أدري لماذا أتذكّر هذا المثال النحوي على أدوات الشرط “الجازمة”، كلّما تأمّلتُ سيرة المهندس عبدالله بن سعيد المبطي، رئيس مجلس الغرف السعودية؟
أدري؛ لأن من البدهيات أن يكون الاجتهادُ طريقاً إلى النجاح، في حال عدم شيوع “الواوات”، وفي روايةٍ أخرى “الشفاعات”.
ولا أدري؛ لأنّ القاعدة الشائعة تقول: من ليست له “واو”، فليس له أمل، بل إنّ الاجتهادَ الصادقَ قد يفضي إلى نتائج عكسيّة، ويكون وبالاً على من لا “واو” له، في ظلّ كثرة الراغبين في الصعود على أكتاف الجادّين، أو الصّاعدين عبر طريقٍ لا يكون إلا بإزاحة الجادّين، بأيّ وسيلةٍ كانت.
أنْ يبدأ “آدميٌّ” حياتَه من رقمٍ صغيرٍ يفوق الصفر بقليل، ومن بدايات والده التجاريّة، ذات السمة “العاديّة”، بوصفها بحثاً عن الرزق، ليصلَ إلى منصب “شاهبندر التجّار”، ويصير رئيساً لمجلس الغرف السعوديّة، وهو الآتي من بيئةٍ هي دون ثلاثٍ كبيراتٍ في هذا المجال، فإنّ هذا هو النجاح عينُه.
هو النجاح، لأن المبطي، وصلَ دون أن يعبثَ بالأوراق من تحت الطّاولة، ودون أن يملأ قلبَه بغير البياض، ودون أن يفتّشَ في دهاليز المكاتب عن قطراتٍ تنهمر من “تكفى”.. ولكنه وصل بالأصوات الناخبة الطائعة المختارة وحسب، ولذا صار أنموذجا “للمدني” الناجح بامتياز.
الناجح بامتياز، هو من يصلُ بقدراته، وإيمان المحيطين به، ولذا لم يكن له من النجاحات الإدارية، إلا ما كان عبر صناديق الاقتراع، سواء أكان ذلك في الغرفة التجاريّة الصناعية بأبها، أم في مجلس الغرف السعودية، وهذا هو النجاح الشبيه بالحفر في الصخر، ذلك أن إجماع المشتركين في مهنةٍ واحدة شيء يحتاج إلى قدرات خاصّة من الشخصيّة نفسِها، ويعني ـ أيضاً ـ أنّ هذه الشخصيّة تمتلك من السمات ما يجعل منها أهلا للاتفاق. بدأ والده الشيخ سعيد المبطي، تجارتَه بجمع حبّات القهوة من المرمى، ليبيعها مقابل خروفٍ صغير، يرعاه حتّى يكبرَ، ثم يبيعه، ولما استطاع أن يسافر، سافرَ ليعملَ، ويحصل على بعض الحبوب.. يبيعها لوالده مقابل بعض الأغنام.. وهكذا كان البدء الأوّل لتجارة والده، حتى اتجه إلى العقار والمقاولات، فكان الخير..
وجدَ عبدالله المبطي أباه على هذا النحو من الإيمان بالكدْح، فسار على طريق الإصرار، واجترح وجه المغامرة، حتّى صار مالكاً لما يقرب من عشر شركات وطنيّة كبرى، وشريكاً في عددٍ مواز من الشركات.
لم يقف عند نجاحات الذّات، واختار أن يكون فاعلاً في العمل العام، ليكون أنموذجاً لـ “رجال” الأعمال، الذين يصعدون إلى ذروة التقدير، من خلال توزيع العطاءات على غير لجنةٍ، وفي غير وجهٍ من وجوه النهوض بالمجتمع.
مشكلة “أبو ياسر”، أنه يُغضبُ نفسَه كيلا يغضبَ منه أحد، فلا يظهر عليه الاهتزاز مهما كانت قسوةُ العاصفة، وربّما غضَّ الطرْفَ عن مواسم الغبار، حتّى يحين الصفو والصحو.
إن تشذيبَ أغصان الخلافات، بمقصّاتٍ مصنوعة من معدن الحكمة، سرٌّ من أسرار النجاح، وطريقٌ مهيّأةٌ نحو القَبول، وأسلوبٌ مهم من أساليب العاملين في “المجالس”، التي تتكوّرُ القرارتُ فيها، من خلال التوافق، والتصويت، والاتفاق.
أبو ياسر، الحاصلُ على البكالوريوس في الهندسة المدنية، لم يكتف بأعمال والده التجارية في بدئها الأول، وإنما أضافَ إليها العلم والمعرفة، والشهادة الجامعية، وعدداً كبيرة من الدورات الفنية والإدارية في أوروبا والسعودية، ليكون قادراً على الفعل المنظم فيما بعد.. وهو ما كان من رجلٍ مدنيٍّ بامتياز.